السبت، 2 يونيو 2012

كلمة الترحيب بزوَّار المُنعطف والتعريف بشخصيَّاته


أيُّها المارُّ في المُنعطف أهلاً بك!
قد أضأتُه لك، بل أضاء بحضُورك. فتمهَّل قليلاً. والتفت إلى يمينك. وتطلَّع إلى الصُّور واللافتات والأبواب. ثم انقُر على أيِّها شئت:
"الذبابة روبرت فسك" مثلاً- تنفتح لك على الشارع بين الشيَّاح وعين الرمَّانة حيث أولع الصبيان ذات يومٍ بمُكافحة الحشرات. فوضعوا على وجوههم الكمَّامات، وحملوا الرشَّاشات، وانخرطُوا بحماسٍ في مكافحة حشرات الحيِّ حتَّى قضَوا- في أيام معدوداتٍ- على كلِّ حشرةٍ زاحفةٍ أو طائرة.. حتَّى كان يومٌ لمحُوا فيه حافلةً تنقُل ركَّاباً فلسطينيِّين يُلوِّحون بأربعةٍ وأربعين يداً من النوافذ عن جانبي الحافلة.. فاشتبهُوا بها ورشُّوها!
نصيحتي لك أيُّها المارُّ في المنعطف ألا تلبث طويلاً في ذاك الشارع مخافةَ أن يتعرَّض لك صبيٌّ برشَّاشته الحشريَّة. ويطلب منك إبراز بطاقة هويَّتك وهو يسألك:
_ من أيِّ طائفةٍ من الحشرات أنت؟

لكن إيَّاك يا صديقي أن تُدليَ في مُنعطفي بآراء سياسيَّة وقحة- اعذُرني على التعبير! فإنَّ الآنسة رجاء قرَّرت أن تفتضح في وجه كلِّ وقحٍ من السياسيِّين اللبنانيِّين- وقد وافقها على ذلك ملايين اللبنانيِّين في استفتاءٍ أجرته رجاء ورفاقها جميل وفوزي وصلاح في مواقع التواصُل الاجتماعيِّ بالشبكة العنكبوتيَّة إذ نشرت صورتها عاريةً إلا من خرقةٍ تستُر بها عورتها وهي تمُدُّ إليها يدها وتسأل الجمهُور:
_ هل تعتقد أنَّ افتضاح امرأةٍ في وجوه الوقحين يُخجلُهم؟
حكاية رجاء والسياسيِّين تقرأها في روايتي السياسيَّة الساخرة "في وجهك يا وقح".. فانقُر على حلقاتها بالتتالي.

ولربَّما رأيت في نافذةٍ شابَّاً يُلقي بورقةٍ إلى الطريق، تطير ثم تحُطُّ عند قدميك. فإذا انحنيتَ والتقطتَها راحت الورقة المُحبَّرة تقُصُّ عليك حكايتها إذ كانت مُستلقيةً على سطح المكتب، فوق، بيضاء الصفحة، ليست شيئاً إلى أن حبَّرها قلمُ الشابِّ الكاتب. بالحبر وَعَت الورقة ذاتها وانتماءها إلى عالم الأوراق المُحبَّرة. تلهُو مع أخواتها الورقات على سطح المكتب، وتتجادل مع الكتب على الرفوف. لكن هناك في الأسفل سلَّة المُهملات الرَّهيبة، حيث تُرمى الأوراق التي لا يرضى عنها كاتبُها.. فكيف نَجَت الورقة من السلَّة؟ وبماذا تُحقِّق طموحها فتُحفَظ مع المخطوطات الخالدة؟.. تقرأ ذلك في روايتي "طموح مخطوطة"..

وتُصادف في مُنعطفي "الميت الذي أبى أن يُدفَن" وهو يمشي في الطريق إذ لم يجرِ له في خاطرٍ أنَّه هو نفسُه قد مات، وأنَّ عليه بعد تلك السقطة المُميتة ألا يفتحَ عينَيه ويرفع رأسه وينتصب قائماً ثم يواصل سيره كأنَّه ما زال معدوداً من الأحياء!
وإذا كنت محظوظاً يا صديقي المارِّ في منعطفي صادفتَ مهى، الفتاة العشرينيَّة التي نزلت إلى الطريق عاريةً لا يستُر بدنها شيء- في القصَّة القصيرة "المُتعرية"..
وغير أولئك كثيرون من شخصيَّاتي القصصيَّة تُصادفها في هذا المنعطف، وتتعرَّف بها في ضوئه الفريد حتَّى إذا مللتَ أو ذكرتَ أنَّ وراءك موعداً في مُنعطفٍ آخَر من مُنعطفات الحياة، فتعجَّل بالمغادرة قبل أن يترامى إليك صياحُ دالية في خلافها الزوجيِّ مع حامدٍ الي رجع من عمله وهي تُعِدُّ له طبق البطاطا الذي يُحبُّه. فلمَّا مدَّ يده إلى شريحةٍ منها صاحت به:
_ ألا تنتظر حتَّى آتي فنأكل معاً؟
تقرأ ذلك في قصَّتي القصيرة الفُكاهيَّة "طبق البطاطا"..
لكنْ ربَّما رغبتَ، قبل الذهاب، أن تكتب رأيك على جدار المُنعطف بعُبوة الطِّلاء النفَّاثة: "فلان مرَّ من هنا" مثلاً أو "لن أعود إلى هذا المنعطف ما حييت" أو حتَّى أن تكتب تحذيراً للمارَّة: "منعطف خطر"..

                              عصام عادل حمد
                              صاحب المُنعطف